بسم الله الرحمن الرحيم
نبذة عن حياة المرحوم الشيخ حسين حلمي ايشيق
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله أجمعين.
أما بعد: فقد كان من اعلم علماء الاسلام المتأخرين وأكرم أوليائه وكان ينشر اكثر مقالاته ومؤلفاته باسم مستعار «صديق گوموش» وقد ذكر هذا الاسم المستعار في بعض كتبه.
ولد بتأريخ الثامن من مارت عام ١٣٩٢ هـ. [١٩١١ م.] في منطقة أيوب سلطان بإستانبول وكان أبوه سعيد أفندي من قرية –تپوڤا- لوفجه -التابعة لپلونه- واما امه عائشة خاتون وابوها حسين آغا فكانا من قصبة لوفجه وانّ والده سعيد افندي قد هاجر من پلونه اثناء الحرب المشتعل آوارها بين القوات الروسية والقوات العثمانية عام ١٨٧٧ م. المعروف بحرب ٣٩ واستقر به المقام في حيّ أيوب وزيرتكيه بإستانبول وتوفي سنة ١٩٢٩ م. ودفن في مقبرة ايوب سلطان وتوفيت امه عائشة خاتون سنة ١٩٥٤ في أنقره ودفنت في مقبرة باغلوم «رحمة الله عليهما»
بدؤه الدراسة
لقد باشر السيد حسين حلمي حياته الدراسية بمدرسة مهرشاه سلطان الابتدائية الواقعة ما بين جامع ايوب وميناء بستان باستانبول في الخامسة من عمره وختم القرآن الكريم وتخرج بتفوق حائزا الدرجة الاولى من مدرسة الرشادية النموذجية عام ١٩٢٤ وكما انه قد احرز قصب السبق في الامتحانات التي اجريت للقبول في اعدادية عسكرية خالجي اوغلو المقرر نقل مقرها من قونية الى استانبول لتلك السنة فقد حاز الدرجة الاولى كذلك من الصف الاول الى الثاني وهكذا قد تخرج من الثانوية العسكرية بدرجة جيدة وبتفوق ملحوظ عام ١٩٢٩ وانتخب من قبل اساتذته لمواصلة دراسته في كلية الطب العسكري
وقد جلب اساليب سعيه واجتهاده وجده المتواصل انظار اساتذته وكان يكرر ما اوضحه مدرس الهندسة اثناء الدرس على الطلاب حسب طلب المدرس وكان زملاؤه الطلاب يفيدون بأنهم فهموا فهما جيدا الموضوع بتكرار زميلهم حسين حلمي لهم
وخاب امله بمشاهدته الذين يتهجمون على الدين والمقدسات عندما كان طالبا في الثانوية وتركهم عبادات الصوم والصلاة التي كانوا يؤدونها معا منخدعين بأكاذيب وإفتراآت المفترين وأباطيلهم ولم يبق سواه من يصوم ويصلي وآلمه هذا الوضع وأحزنه بل اوجعه كان في الثامنة عشرة من عمره وهو في الصف الاخير من الثانوية العسكرية وكان ليلة القدر من رمضان المبارك ولم يذق عيناه النوم في القسم الداخلي من المدرسة نهض من فراشه حيث لم يبق من متمسك بدينه ومعتقداته سواه وهذا مما اوقعه في ضجر وسأم لا يطاق اذ أذهله حالة رفقائه هذه الذين غشيت بصائرهم وبصيرتهم وانطبعت قلوبهم عن الحق والحقيقة وخرج الى جنينة المدرسة وكانت السماء صافية مزينة بالنجوم وهو ملتفت نحو ايوب سلطان أي نحو قبر الصحابي الجليل خالد بن زيد رضي الله عنه وكأن امواج مياه الخليج الهادئة تلهمه وتقول له لا تحزن انت المحق وانك على حق من امرك في شأن دينك ودعا ربه بخشوع وتضرع ذارفا دموع عينيه «يارب بك آمنت واسألك حبك وحب من يحبك اريد معرفة معارف وعلوم ديني اللهم احفظني من اعداء الاسلام والمسلمين واجنبني من ان اخدع بأقاويلهم وأباطيلهم يا رب ودعا لأصدقائه بأن يكشف الله غشاوة التعصب عن بصرهم وبصيرتهم كي تنطبع دقائق التعقل في ضميرهم ويرجعوا عن غيهم الى الحقيقة الاسلامية الرفيعة الشأن» فالله سبحانه استجاب لدعائه الخالص وأكرمه باللقاء مع بحر العلم والعرفان وصاحب الكرامات والخوارق عبد الحكيم الارواسي رحمة الله عليه في رؤياه ومن ثم ظهر امامه في مسجد ما وتلاقيا.
لقاؤه مع السيد عبد الحكيم الارواسي
ذهب مرة الى جامع بايزيد لأداء الظهر فرأى في الجامع شيخا مسنا وقورا حسن الوجه نورانيا فاضلا يعظ ويدرس من كتاب مفتوح بين يديه وقعد خلف هذا الشيخ المدرس بهدوء دون ان يراه ويحس به في وسط زحمة من الناس وكان موضوع الدرس -كيفية زيارة قبور الأولياء وآداب الزيارة- وكان موضوعا يجهله وخارج علمه وبوده معرفته وفي الاثناء هذه نودي لصلاة العصر وطوى الشيخ الكتاب ومده اليه من وراء ظهره قائلا «ليكن هذا الكتاب هديتي لهذا السيد الشاب رضاء لله» فقام وباشر بالصلاة فحير كيف عرف الشيخ بأن في وراء ظهره سيد شاب مع كونه لم يره؟ واسرع في اداء صلاته بعد تسلمه الكتاب من فضيلة الشيخ الوقور وكان الكتاب يبحث عن «الرابطة الشريفة» ويحمل امضاء «عبد الحكيم» ولدى الاستفسار ممن حوله علم بان هذا الشيخ الفاضل هو عبد الحكيم ويعظ الناس ايام الجمع في جامع السلطان ايوب وهكذا ترقب قدوم يوم الجمعة بفارغ الصبر ولما كانت الجمعة فتش عن الشيخ بعينيه فلم يجده ولدى السؤال عنه افيد بأنه يؤم الناس في مسجد آخر وسيأتي بعد ان يصلي بالناس وينتظر خارج هذا المسجد. فلم يستطع صبرا فخرج ورآه أي رأى الشيخ وهو واقف امام مكتبة.
عندما انفضت الصلاة وانتشرت الجماعة قام السيد عبد الحكيم واستقر في القسم المخصص وجلس على الفراش الاعلى من الارض بقليل وأمامه الرحلة التي عليها الكتاب وباشر الدرس وان السيد حسين حلمي جالس أمامه وكله آذان صاغية يستمع اليه ليسمع ما لم يسمعه من قبل ويتزود بالعلوم الدينية المحتاجة اليها بكل دقة وإمعان وكان كالفقير المعوز الحاصل على كنز وكالظمآن الذى تلظى فؤاده من العطش ووجد ماءً زلالاً بارداً اذ لا يفارق عينيه الشيخ ويحملق في وجهه النوراني ويبذل ما في وسعه من الجهد لوعي كل ما يقوله الشيخ من درر الاقوال والعلوم ويحاول فهم ما يحويه من علم وعرفان ناسياً كافة الامور الدنيوية وأمر دروسه المدرسية وكل شئ وكان يدور في خلده آمال وامور طيبة حسنة كأنه يريد الاغتسال من عوائق الحياة وكانت هذه هي الصحبة الاولى له مع الشيخ وكان في ذروة النشوة وإن الفناء في الشيخ الكامل المكمل الذي هو نعمة واحسان لا يحصل الاّ بمجاهدات ورياضات لسنوات طوال كأنه قد حصل من الوهلة الأولى وصحبته... ويا للأسف العميق فإن الساعة قد انقضت وانتهت ساعة الصحبة وان هذه المدة كأنها مرت خاطفة وكأنها لم تكن الاّ بضع ثوان وكأنه كان في حلم جميل وأفاق منه وعندما جمع ما عنده من اوراق الملاحظات وهمّ بالخروج محاولا لبس حذائه اذ شعر بهمس في اذنه قائل يقول: ايها السيد الصغير لقد احببناك كثيرا فبيتنا خلف المقبرة هناك -اشار بيده- فتفضل عندنا نتحاور معك وكان صاحب الهمس هذا هو السيد عبد الحكيم الارواسي
وفي تلك الليلة رأى السيد حسين حلمي سماء صافية خالية من السحاب براقة شديدة الزرقة ورجلا نورانيا محاط بقوائم جميلة كالتي في الجامع فلما رفع رأسه رأى الوجه المتلألئ المضئ بالنور وجه السيد عبد الحكيم وأفاق من نومه... وبعد عدة ليال اُخر رأى السيد جالسا في طرف الرأس المبارك للصحابي الجليل أبا ايوب الانصاري في مرقده ووجهه يتلألأُ كالنور الوضاح والناس يتسابقون لتقبيل يديه ولما وصل اليه حلمي وكاد ان يقبل يديه استيقظ من النوم وأفاق.
لم يعد يفارقه
وهكذا كثيرا ما بدأ يزور السيد عبد الحكيم في بيته وفي بعض الاحيان يزوره بعد صلاة الفجر ويغادره بعد صلاة العشاء بمضض وحتى أنه كان كأنه يراه ويتعرف به لأول مرة وكان لا يفارقه ابدا في غذائه وعشائه وفي صلاته ووقت الراحة والترحال وكان يراقبه من شدة حبه له ولعلمه وسكناته وحركاته المطابقة للسنة السنية النبوية عليه وعلى آله الصلوات والتسليمات ويستمع اليه دوما وكان شديد الحرص على عدم اضاعة ولو دقيقة واحدة اذ أنه يستغل العطلات الرسمية المدرسية لزيارة شيخه ولم يفوت ساعات وعظه ويتعظ بالموعظة وان شيخه قام بتدريسه وتلقينه العلوم باللغة التركية في البداية ومن ثم لقنه العلوم من الكتب والمصنفات العربية والفارسية وآثارهما ولقنه تدريساً: الامثلة والعوامل والمصادر السماعية وقصيدة الامالي وديوان مولانا خالد البغدادي كما حفّظه كتاب المنطق المسمى بـ(ايساغوجي).
ان اول ما كلف به السيد عبد الحكيم الاستاذ حسين حلمي من وظائف تدريسية كانت تكليفه ترجمة بحث (القضاء والقدر) للإمام الجليل البغوي رحمة الله عليه من العربية الى التركية وقد اثلج صدر حسين حلمي قول السيد عبد الحكيم حين قال «بارك الله فيك اصبت الفهم واحسنت الافادة» (ان متن هذه الترجمة مدونة في كتاب السعادة الابدية ص ٢٤١).
تحويل دراسته من كلية الطب الى كلية الصيدلة
انتقل من الصف الاول الى الصف الثاني من كلية الطب بتفوق وبعد ان منح الاولوية في الكسور وحان مدارسته حول تشريح الجثث. التقى مع الشيخ في حدائق جامع ايوب وقال له الشيخ لا تمارس مهنة الطب حوّل دراستك من الطب الى الصيدلة فهي خير لك وقال حسين حلمي انا الاول في الصف لا يجيزون انتقالي الى الصيدلة وعندها قال له الشيخ تقدم بطلبك فالله خير معين وهو مسهل الامور وبعد تقديم الطلب وتبادل المكاتبات الرسمية بين الكلّيّتين ورئاسة الجامعة صدرت الموافقة على الطلب وانتقل حلمي الى الثاني من كلية الصيدلة وبإيعاز من الشيخ فقد اشترك في جريدة «ليماتين» الفرنسية وبذا اجاد اللغة الفرنسية واكمل دراسته الصيدلانية بتفوق بعد ان مارس مهنته سنة كاملة وبتفوق عال في مستشفى گلخانه العسكرية كمتطبّق وعيّن برتبة ملازم عسكري في مدرسة الطب العسكري بصفة مدرس مراقب.
كشف جديد
وفي هذه الاثناء انكب على دراسة وبحث مادة الكيمياء كتدريس عال في الهندسة الكيميائية بإشارة وإيعاز من شيخه ودرس الرياضيات العالية من «ڤون ميسس» ومارس الميكانيك من «پراگر» والفيزياء من «دمبر» والكيمياء التكنيكية من «گوسس» ومارس المهنة وخدم لدى الپروفيسور «آرندت» استاذ علم الكيمياء وحصل على ثناء وتقدير استاذه له وهيأ اطروحته بإشرافه خلال ستة اشهر وتوصل الى المعادلة الكيميائية لـ(Phenyl-cyan-nitromethanın nitron-esteri) وعمل تركيبها واثبت ذلك. هذا الكشف الاول والوحيد من نوعه في العالم والاطروحة الفريدة قد نشرت في مجلة الكلية وفي كتاب الكيمياء «زنترال بلاتت» في عدده ٢٥١٩ بتأريخ١٩٣٧ الصادر في المانيا تحت اسم (ح. حلمي ايشيق)
لقد حاز حسين حلمي ايشيق على شهادة الكيمياء كأول مهندس عال في تركيا نهاية العام ١٩٣٦ وقدنشرت جرائد اليوم بكونه اول مهندس عال في القطر التركي وبسبب هذا التفوق قد تم تنسيبه لصنف الكيميائيين العسكريين وتعيينه كيميائيا للمواد والغازات السامة بمنطقة ماماق في أنقره وبقي هناك مدة احدى عشر سنوات وبعد ذلك عمل لسنوات طوال مع -مرزباچر المدير العام لمعمل آوئر ومع الدكتورگولدستئين (دكتوراه في الكيمياء) ومع الاختصاصي في البصريات نعمانن وعلاوة على ذلك تعلم منهم اللغة الالمانية كذلك وتخصص في مادة الغازات السامة المستعملة اثناء الحروب واسدى خدمات جليلة في مجال اختصاصه.
قصة تعلمه العربية
إنه كان رحمه الله يزور استانبول من مقر عمله في أنقره كلما اتاح له الفرصة وعندما تقلصت هذه الفرص وأعاقته عن تلك الزيارات أخذ يعالج شوقه لشيخه بالمراسلات وان شيخه الجليل كتب اليه في احدى جواباته: أحباي السيدين حلمي وسداد لقد تسلمت رسالتكما القيمة الباعثة لشكرنا وثنائنا ورأيت جودة ترجمة العوامل وفهمت منها فهمكما للموضوع وكلّي أمل بإستفادتكما وستستفيدان ان شاء الله وللعوامل شرح ومعرب وسأزودكما بهما بطريقة ما اذ انها تكفي وتفي بالغرض من الناحية النحوية وكما انك تزاول الهندسة لمادة الكيمياء كذلك تكون مهندسا لمادتي الصرف والنحو اذ الهندسة يسقط عن الاعتبار كلما كثر المهندسون اما الهندسة الاخيرة أي هندسة الصرف والنحو فلا يقل اعتبارهما بل تزيد وتكبر لكونها مقبولة وذات قيمة قيّمة وقل اربابها في زماننا وندر أما وجودكما هناك فلنيلكما بهذه الدولة العظمى والنعمة الكبرى واُسلم عليكما وأدعو لكما بالخير.
وفي رسالة اُخرى قال الشيخ اشكركم على رسالتكم وحمدت الله على سلامتكم إن مطالعتكم كتابالمكتوبات للإمام الرباني - قدس سره السامي- الذي هو كتاب قيم مفيد لديننا ودنيانا افادة عظيمة وقل ما رؤي كتاب ومؤلف أفيد للدين الاسلامي من المكتوبات ووعيكم لبعض من المكتوبات وفهمكم اياها فضل من الله واحسان عظيم...
إن السيد حسين حلمي ايشيق قد قرأ وطالع لمرات عديدة عندما كان في ماماق بأنقره المجلدات الثلاث من المكتوبات للامام الرباني وكذلك المجلدات الثلاث لنجله محمد معصوم المترجمة الى التركية من قبل مستقيمزاده واختصر من هذه الكتب الستة حسب الحروف ونتج عن ذلك الاختصار ثلاثة آلاف وثمانمائة وست واربعون مادة وعند مقابلته قرأ على مسامع شيخه المواد واحدة تلو الاخرى فاصغى اليه استاذه وسمعه بدقة واعجبه ذلك ايما اعجاب وقال ان هذا المختصر قد صار مؤلفا سمه بـ(قيمتسز يازيلر) كتابات قيمة فاندهش حلمي وتحير بمقولة شيخه هذا الا ان الشيخ قال له لم تندهش هل من مقيّم لهذه الكتابات؟ والكتاب هذا طبع من قبل دار النشر -الحقيقة- بإستانبول.
تأهله (زواجه)في عام ١٩٤٠ تزوج بالسيدة نفيسة سيرت كريمة ضياء بك المدير العام لمعمل اقمشة قره مرسل بتوسط من شيخه الجليل عبد الحكيم وعقد قرانهما حسب المذهبين الحنفية والشافعية من قبل الشيخ بالذات عقيب تسجيله في سجلات البلدية حسب الاصول المرعية واجلسه شيخه بجانبه مدة الوليمة وبعد صلاة العشاء دعا لهذا الزواج بالخير واليمن والبركة والتفت الى العروسة وخاطبها قائلا: أنت إبنتي كما أنت زوجة إبني وهكذا تبين بأن شيخه تبنّاه ولدا له.
وفاة شيخه واستاذه
عندما كان السيد حسين حلمي ايشيق رحمة الله عليه جالسا في داره الواقعة في منطقة «حماماوكي» في أنقره ١٩٤٣ اذ جاءه السيد نوزاد ايشيق ابن فاروق بك وابن اخ الشيخ فقال له ان ابي الموقر يطلبك فإندهش وتحير ما مهمة السيد الشيخ في أنقره ما عسى ان أتى به الى هنا فأتيا معاً امتثالاً على الطلب الى بيت فاروق بك في منطقة الحاج بايرام وحين ذلك عرف بأن السيد الشيخ قدحكم عليه بالاقامة الجبرية في أنقره ورآه «أي الشيخ» تعباً هزيلاً من شدة ما اوذي وكان حسين حلمي يأتي كل مساء ويعاونه ويصحبه الى غرفة نومه ليستقر على فراشه ويدثره ويقرأ المعوذات عليه ويغادر البيت وفي مدة مرضه كان معاوديه وزائريه يجلسون قدامه على الكراسي ثم يغادرونه اما السيد حلمي فكان يجلسه على سريره قريبا منه ويهمس في اذنيه جملا وكلمات وتوفي رحمة الله عليه وانتقل الى الرفيق الاعلى هنا في هذا المكان بعد عشرين يوما من مجيئه الى أنقره ودفن في باغلوم وواراه حسين حلمي الثرى واجرى للشيخ ما وجب من امور دينية لعملية الدفن بأمر من نجله السيد احمد المكي ولقن الشيخ من قبل حلمي كذلك بطلب من احمد المكي بقوله: كان أبي المرحوم يحب السيد حلمي حبا جما ويعرف صوته فليلقنه هو وقد لبى الطلب وقام بتلقينه عليه رحمة ربه.
وأنه رحمة الله تعالى عليه بعد سنوات عديدة هيّأ الحجر الرخامي لقبر المرحوم شيخه في مدينة استانبول ونقله الى باغلوم ودشنه على ضريحه وكذلك هيّأ رخاما وكتب عليه اسم المرحوم السيد فهيم ونصب على قبره بقرية (آرواس) في مدينة (وان) وعمّر ضريحي الشيخ عبد الفتاح العقري ومحمد امين التوقادي قدس الله اسرارهما العزيزة في استانبول.
وقام المرحوم سنة ١٩٧١ بزيارة لدلهي وديوبند وسرهند وبعد ذلك زار مدينة كراچي وعمّر ضريحي ثناء الله الدهلوي وعقيلة الشيخ مظهر جان جانان رحمة الله تعالى عليهم في مدينة پانيپوت ثم أمّن الحفاظ على القبرين من التخريب ثم بعد رحيل شمس المعارف والعلوم استاذه استاذ الكل في اهل قسطنطينية وحواليها المرحوم الشهيد المظلوم المقبول طيفور زمانه وجنيد اوانه وسيد وشريف ايامه السيد عبد الحكيم قبل السيد حسين حلمي ايشيق في حلقات تدريس ولده النجيب المبجل المكرم مفتي اوسكدار ومن ثم مفتي قاضي كوى صاحب السعادة والفضيلة السيد احمد المكي ولازمه ملازمة مخصوصة مدة من الزمن وقرأ عليه ما تيسر قراءته واعتيد ذلك منه منذ اوان وشاهد منه القابلية التامة وعاين منه الاستعداد للإفادة العامة ولقد اجازه شيخه احمد المكي «أحمد شهاب الدين نيّر المكّي» اجازة بتدريس العلوم الآلية والاعلام والفقه والتفسير والحديث ونصح اهل الإسلام لمن طلب منه ذلك بعد استيعابه لعلوم الفقه والتفسير والمعقول والمنقول والاصول والفروع بكل إتقان ومهارة فائقتين في السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام ثلاث وخمسين وتسعمائة وألف (ثلاث وسبعون وثلاثمائة وألفا من الهجرة النبوية الشريفة صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين الطيبين وصحابته الكرام) يوم الاحد.
حياته التعليمية
انه عليه الرحمة والغفران قد عُيّن مدرساً لمادة الكيمياء في الاعدادية العسكرية ببورسا سنة ١٩٤٧ ثم ارتقى الى مدير للتعليم وقد تتلمذ على يده المئات من الضباط وأخذوا دروس الكيمياء منه في الاعداديات العسكرية كإعدادية (قوله لي وأرزنجان) واستمر في سلك التعليم مدة مديدة وكذلك مارس التعليم بعد ان احيل على التقاعد عام ١٩٦٠ فقد انضم الى الهيئة التعليمية في ثانوية الوفاء ومدرسة فاتح للأئمة والخطباء ومعاهد الصناعة في جغل اوغلى وباقركوى كمدرس الرياضيات والكيمياء وتخرج على يده رحمة الله تعالى عليه الكثير الكثير من الشباب المؤمنين الواعين المحبين لدينهم وعقيدتهم ووطنهم وقرؤا العلم عليه حتى جمعوا دقائق العلم واستكملوا فضائل النفس وقدم خدمات صحية كبيرة لسنوات طويلة كصاحب ومدير صيدلية بإسم الصيدلية المركزية في منطقة يشيل كوى بعد اقتنائها عام ١٩٦٢
تصنيفه كتاب «السعادة الابدية»
كان حسين حلمي ايشيق رحمة الله تعالى عليه قد نشر كتاب السعادة الابدية سنة ١٩٥٦ وبترغيب وتشجيع من قرائه هيأ القسم الثاني من الكتاب وصنفه وطبع هذا القسم منه في ١٩٥٧ وقد شاع صيت هذا المصنف بين القراء المعادين للدين والمؤمنين على السواء حتى امطروه بوابل من الأسئلة مما اضطره الى البحث والتحري عن الاجوبة المناسبة لتساؤلاتهم بمراجعاته لكتب اسلامية معتبرة لعلماء معتبرين وبذا قد تشكلت مصنفاً جديداً مكونةً من الاجوبة والعلاوات والاضافات وكذلك طبع هذا القسم الثالث سنة ١٩٦٠ وجمع عليه الرحمة هذه الكتب الثلاث في مصنف واحد سنة ١٩٦٣ تحت عنوان(عام الحال) وبهذه تاجد والاجتهاد الدؤوب المتواصل منه رحمه الله تكوّن كتاب ضخم فخم بمحتوياته الصحيحة المعتمدة المعتبرة المشتقة من المعتبرين وصحائفه التي بلغت ١٢٤٨ صحيفة أحيا به العلوم الدينية وعقائد اهل السنة والجماعة والثقافة الإسلامية والمحاسن الشرعية وقمع البدع ورد المبتدعين... وترجم الكتاب الى الإنكليزية تحت عنوان( ) وطبع من قبل دار النشر -الحقيقة- بإستانبول بخمس مجلدات
وجاء في تقريظ الحبر الواصل والبحر الشامل المرشد الكامل وحيد عصره وفريد زمانه والنحرير الكامل السيد أحمد نيّر المكّي الحسيني ابن السيد عبدالحكيم الارواسي بحق هذا الكتاب الشامل: بعد التفحص والتمحص لكتاب (السعادة الابدية) لكاتبه الفاضل العلامة والبحر الفهامة صاحب التأليفات والتصنيفات والتقريرات الفائقة الرائعة حلمي ايشيق فوجدت فيه علوما في الكلام والفقه والتصوف بما يكون زادا وسندا للمتقين والمجتنبين عن المناهي والمتبعين للأوامر والمواظبين على المعروف والناهون عن المنكر ولاحظت بأن كل هذه العلوم مشتقة من مصنفات متبعي منابع النبوة المصطفوية عليه وعلى أهل بيته الطاهرين وصحابته الكرام افضل التحية والسلام .ويخلو الكتاب من اية معلومة تخالف العقائد الصحيحة لأهل السنة والجماعة واوصي اعزائي الشبان المؤمنين ان يأخذوا علومهم الدينية وتربيتهم الوطنية من هذا الكتاب الذى لا مثيل له ومن المؤمل ان لا يؤلف مثله مستقبلا.
نشاطاته العلمية
لقد قام بإحداث دار النشر -ايشيق- في استانبول عام ١٩٦٦ ثم بعد ذلك دار النشر -الحقيقة- بإستانبول ايضا وأسس عام ١٩٧٦ وقف الاخلاص وقام بنشر المئات من الكتب باللغات: التركية والالمانية والافرنسية والانجليزية لكافة تنحاء العالم ونشر المئات من الكتب العربية والفارسية المعدة بطريق الاوفست وكان يعتقد ويجزم بأن كل ذلك المهام لم يتم الا ببركةٍ وفيضٍ من شيخه واستاذه استاذ الكل السيد عبدالحكيم الارواسي وتصرفه ويتحقق هذه الخدمات الجليلة بهمة العلماء الاعلام وبحرمتهم ومحبتهم الفائقتين
كان رحمه الله يقول: ان الفرح والنشوة التى كنت احس بهما من صحبتي لشيخي الجليل الارواسي لم اعد احس في أي وقت من أي شىء بعده وان اسعد اوقاتي اليوم تخطري لتلك الساعات الجميلة لصحبته المباركة في تلكم الايام وكلما اتذكر الايام العابرة ازداد شوقا وعبرة لتلك الايام وحلاوة الصحبة المباركة وكان رحمه الله دائم التردد لـ:
بهجر الاحباب حال صدري دما * بحرقة فراقهم عاد قلبي متيما
وحينما كان المرحوم يقرأ من مصنفات علماء الإسلام الأعلام في صحباته وتدريساته وينقل ويذكر أقوال الإمام الرباني والسيد الارواسي قدس الله اسرارهما العلية يذرف دموعا ويقول «كلام الكبراء كبار الكلام»
وفاته عليه الرحمة والغفران
إنتقل الى جوار ربه في السادس والعشرين من شهر تشرين الأول عام ألفين وواحد من الميلاد الموافق للتاسع من شهر شعبان المعظم عام اثنتين وعشرون وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية عليه الصلاة والسلام وشارك في صلاة جنازته الآلاف من المؤمنين وشُيّع جثمانه بمواكبة الآلاف الى مدفنه في مقبرة أيوب تغمده الله فسيح جناته
للمرحوم المغفور له بنت وولد فولده عبدالحكيم انتقل الى رحمة الله قبله بسبعة اشهر وزوج بنته هو صاحب مجموعة شركات اخلاص «اخلاص هولدنك» السيد انور أُورَنْ وحفيده هو أحمد مجاهد أُورَنْ وحفيده من ابنه المرحوم هو فرّوح إيشيق حفظهم الله وأطال بقاءهم.
وكان رحمه الله ليّن الطبع يجاري الناس مجاراة حسنة ويوصيهم بلزوم الاتصاف بالخلق الحسن والسيرة الطيبة وكانت التقوى زاده ومعرفة الله وعبوديته مراده وتحاشى مدة حياته عن إحداث البلبلة وابتعد عن الفوضى وعمل على اخمادها واوصى من حوله كذلك الابتعاد عن المشاكل والاضطراب وحذرهم التوقي من القبائح والرذائل في الزمن الذى كثر فيه الدجل والخداع بتزويق الكلام من أنصاف العلماء وكان يوصيهم ببشاشة الوجه ولطافة الملبس وحلّ المأكل والمشرب ويكونوا سباقين للخير وخدمة الإسلام والمسلمين ويوصيهم عقل اللسان الاّ عن اربعة: حق يوضحونه وباطل يدحضونه ونعمة يشكرونها وحكمة يظهرونها وأن لا يطيعوا هواهم ولا يبيعوا دينهم بدنياهم ولم يكن قد اشتغل بالسياسة قط وكان يجتنب لقاء الساسة والاُمراء والولاّة وان الآلاف من تلاميذه الذين ربّاهم على العلم النافع والعرفان الكامل المدركين بان العلم بلا عمل جنون والعمل بغير علم لا يكون ذلك العلم الذى يبعدهم اليوم عن المعاصي ويحملهم على طاعة الدولة ولا يعصونها ويقومون بخدمة الوطن والمواطن وكان رحمه الله يقول: المسلم من اهل السنة من هو يترك وراءه اثراً نافعاً او امراً جليلاً او امحاء ظلمةٍ في أي محلٍ يتردد اليه ولو ساعةً.
وكان عليه الرحمة في غاية الوفاء للآباء والجدود الوفاء لمن سبقونا من الدولة العلية واعتبارهم اهل الاحسان علينا ويكنّ للعثمانيين ما يليق بهم من محبة وإجلال ويقول لولاهم لما كنا الآن مسلمين ولما كنا سليمي الاعتقاد ومن اهل السنة النبوية وكان يعد المعروف والاحترام الى اسرة شيخه عبد الحكيم لا بل والى تلاميذ الشيخ دينا عليه واجب الأداء ويكنّ الاحترام للسادات وألزم نفسه بوجوب حرمتهم ودفع احتياجاتهم المادية والمعنوية ووفّى بإلتزامه طيلة حياته. وكان يقول عليه الرحمة «ان اجل الكرامات الكون على الاستقامة» وكان يرى إقامة الصلاة وسائر العبادات من اولى الواجبات ويقول مؤكدا «لا خير في عمل يمنع الصلاة»
كان عليه الرحمة لا يتأثر ولا يحزن لضرر قد تقع ما لم تكن واقعة على الدين ويرى شماتة وحركة الاطفال شيئاً طبيعياً إلا أنه ما كان يسامحهم إن تقاعسوا في تعلم اُمور دينهم وما كان يملك من حطام الدنيا شيئاً لنفسه وكان في جدّ متواصل ويصرف كل ما يملكه من مال على تصنيف وتأليف وطبع الكتب ونشرها وتوزيعها الى انحاء العالم.
كان متواضعا بحيث لا يحس برفعته على أحد ويقول لأحبته «أنا أكثركم خطيئةً لكوني أكبركم سناً» وكان يخدم ضيوفه في بيته خدمة بحيث يدعه يحس بأن الضيف ربّ البيت والضيف هو ويبتاع ويؤمّن إحتياجات المنزل من حاجيات ومواد غذائية ومواد التدفئة وغيرها بنفسه ويسدد ما عليه من عائدات كفاتورات البلديات والضرائب وما شابه.
تربّى رحمه الله تربيةً عثمانيةً اصيلةً حميدةً لدى عائلته واسرته في بيته وآداب تصوف عالية من لدن شيخه واستاذه ذو المفاخر والمزايا والكمالات الإنسانية فضيلة السيد عبدالحكيم الارواسي اذ ما كان ينطق في حضرة من هو اكبر منه سناً لا يناقش ولا يجادل أحداً كان مثالاً للأدب ويراعي الأدب دوماً ويجلس على ركبتيه في اغلب الأحيان حتى أنه يرى قعدة القرفصاء خروجا على الأدب حتى أن فضيلة السيد علي حيدر (من المدرسين السابقين في بورسا) نصح تلاميذه «ليحذوا حذو حلمي ويأخذوا الادب منه ويتعلموا الاصول» حينما زاره المرحوم ببورسا وجثى على ركبتيه لساعات
خُلقه الحميدة
كان رحمه الله دمث الخلق بشوش الوجه مطابق الشرع في الكلام مطابق القرآن في العلوم وكان إرادته وإعراضه وكرهه ومحبته وسعيه وجده مطابقاً للشرع الحنيف. كان جواداً فاضلاً مهذباً رفيع القدر ظاهر الادب بارع الفضل كثير الخطر حسن الفعال وكان هناك شاب يعمل في مصنع الأسلحة بـ(ماماق) واسمه جمال وهو ابن رجل فاضل كان عضوا في هيئة المشاورة في رئاسة ديانة الدولة واسمه أيوب نجاتي پرهيز القونوي وبدأ هذا الشاب المذكور يكلم من حواليه من الناس وفي بيته أبويه ومن فيها بغاية الأدب والاحترام المتزايدين فسأله والده عن سبب هذا التغيير في صيغة الكلام والتخاطب فأخبر أباه بأن له آمرا في المصنع في غاية حسن الخلق والكمال بحيث لا يكلم أحدا إلا ويستعمل من الكلمات أرقّها وأعذبها فأعجب الوالد الأمر فقرر زيارة السيد حلمي في مقره ليقدم له الشكر فأعلم ذلك بطريق إبنه إلاّ أن السيد حلمي اعترض على ذلك وأفاد بأن والدكم شيخ مسن فزيارته ومجيؤه الينا غير مناسب وخلاف الأدب فنحن نزوره فزاره.
وكان يصرف للضباط آنذاك رواتب اضافية سنويا ودخر عليه الرحمة هذه الرواتب الاضافية لإستخدامها في تصدير كتاب «السعادة الابدية»
كان يتصف بأحسن الصفات الواجب توفرها في الفرد المؤمن ومن ابرز تلك الصفات الصبر على الشدائد والضيق وتحمل الأذى من الغير وعدم مقابلة السوء بالسوء وكان ليّن الطبع حليماً إلاّ أنه كان صلباً قوياً كالفولاذ لا يلين ولا يتهاون عندما يُعتدى على الدين والعقيدة وكان لا يتوانى عن قمع البدع ويملك الشجاعة بقدر ما أمرتنا الشريعة بها ولا يتوانى عن ذكر الحقائق في كتبه ومصنفاته ولا يخشى لومة لائم وكان يؤمن بأن الخشية لا تكون الا لله تعالى ولكنه يحذر ويحذّر من إحداث البلبلة والفتن آخذاً نصب عينيه الحديث النبوي الشريف (الفتنة نائمة لعن الله من ايقظها) حيث كان شديد الحساسية بصدد مراعاة الانظمة والقوانين الحكومية قائلا بأن المسلم المؤمن لا يذنب ولا يأثم بل يراعي الشريعة ولا يخالف القوانين ويردد دائما قول النّبيّ الأكرم عليه وعلى آله وأصحابه الصلاة والسلام بأن (حب الوطن من الإيمان)
كان رحمه الله استاذ زمانه ووحيد عصره في العقليات والنقليات وعلمي الأبدان والأديان ولا سيما في الطب والصيدلة وما كان يضاهيه عالم وهو علامة زمانه على الاطلاق وجل أقواله يستند الى العلم والتجربة وما تجاربه وعلومه إلاّ ومستندة بمعايير ومنابع الشريعة الغرّاء وعليه فكانت أقواله بمثابة حِكَمٍ أي تستوعب فوائد ومنافع من دنيوية واُخروية وربما يندر وجود مثله عليه رحمة ربه.
إظهاره أهل السنة على الساحة
لقد احدث كتاباً مؤلفاً نتيجة التراجم والجمع من كتب قيمة معتبرة وقام بدور الريادة في توضيح عقائد اهل السنة والجماعة بلسان فصيح مفهوم ونشر التوضيح وقد أذاع وأشاع للجميع بأن تقليد احدى المذاهب - الحنفية او المالكية او الشافعية او الحنبلية لهي من علامات أهل السنة والجماعة ووجوب العمل على مذهبه شرط وإمكان تقليده لأي مذهب من هذه المذاهب الحقة شاء عند الضرورة والحاجة كل ذلك استنبطه واستخرجه من كتب علماء اعلام لأهل السنة وأوضحه ونشره ونشر كذلك الآلاف من المسائل والحلول في كتابه السعادة الابدية
وغيرها من مؤلفاته رحمه الله وأحيا العلوم البائدة المنسية عملا بقوله صلى الله عليه وسلّم (من أحيا سنةً وأمات بدعةً كان له أجر مائة شهيد) وشرح شرحاً مطولاً وكافياً الفرائض والواجبات والسنن وحتى المستحبات
وعرّف حقيقة الدين والشريعة لكافة الناس في جميع النواحي ونشر الكتب العربية والفارسية المعتبرة والمُثنى عليها من علماء أهل السنة الأعلام ووزع من قبل -دار الحقيقة للنشر والتوزيع- على كافة انحاء العالم، عرف وأبان نقط افتراق الفرق الضالة كالوهابيين والشيعة والقاديانيين (الهمهم الله سواء السبيل) عن الصراط المستقيم صراط الحق واليقين صراط اهل السنة والجماعة وبذا أحيا عقائد اهل السنة وتحرك وتفتح وهناك كثرة من المسلمين من نعته بالمجدد لإحيائه هذه العقيدة السمحاء
كان حسين حلمي رحمه الله تعالى في الوقت نفسه شاعراً موهوباً مؤرخاً نابغاً وكتبه محفوفةٌ بتقاريظ أشعاره الموزون المقفّى وأثنى عليه شيخه اثناء حلقة دراسية بقوله «إن العدد الألف رقم الكمال للحفظ أما أنت فذكاؤك تحفّظك بقراءتك لخمسمائة مرة فقط» ولم يفقد شيئاً من ذاكرته بالرغم من بلوغه التسعين من العمر المليئ بالجد والاجتهاد في سبيل خدمة الإسلام والمسلمين وإظهار الحق واليقين وقمع البدع والمين .إذا أراد تعلم أمر ما كان يجدّ في الامر ويكدّ الى أن يتعلمه بكل دقائقه تعلماً فائقاً لذا فقد قرأ وطالع بإمعان وبحث دقيقين الكثير من الكتب والمصنفات المؤلفة بصدد أوقات الصلاة بعد الخامسة والسبعين من عمره وبعد تفهمه أضاف البحث أي (بحث أوقات الصلاة) الى كتبه وزين مؤلفاته وكتاب السعادة الابدية بها ومن اطلع على هذا الموضوع ودقائق حساباته الرياضية والهندسية لا يسعه الاّ الإعتراف بغزارة ووفرة علمه عليه الرحمة.
وكان يراعي الاقتصاد في الإنفاق والتوفر للشدائد إن أمكن وينبذ الاسراف والتبذير ويوفق بين هذا وذا عملا بقوله تعالى (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً اِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا * الإسراء: ٢٩ )
كان دائم الإنشغال في بحث العلوم وتصفح الكتب وتأليفها وتصنيفها ومطالعتها فكان يؤمن بأنليس لسلطان العلم زوال فلا يغادر بيته الاّ لضرورة وكان يوصي احبابه ومحبيه ومعارفيه دوما بالإستمرار على مطالعة المصنفات المعتبرة المعتمدة وايصالها الى اكبر عدد ممكن من الناس وتسهيل حصولهم عليها فالإسلام بكل نواحيها الاخلاقية منها والاعتقادية والعملية دين حياة دنيوية واُخروية دين حياة دنيوية يمكن للفرد والمجتمع أن يحياها سعيدة آمنة رغيدة مطمئنة دين اُخروية يمكن التمسك بها للبلوغ الى السعادة الابدية السرمدية اللامتناهية وكان رحمه الله يقول يكون ايمان الفرد كاملا إن توفر كل ذلك والا فيكون ناقص الايمان وكل مصنف من مصنفاته الوافرة قد ملأت فراغاً هائلاً كان الانسان احوج ما يكون اليها اليوم.
كان كثير الإعتناء على المحافظة بالصحة عموماً وكان يلبس الملابس طبقاً لمتطلبات المواسم ويقولبأن التيار الكهربائية يميت الإنسان إذا ما تعرض لها أما تيار الهواء فييبس ويطفئ الإنسان فعلى الجميع وخاصة الشيوخ والمسنّين أن يحتاطوا من البرد والتمرض وأخيرا في ملازمة فراش المرض فالمسلم مكلف بالحفاظ على صحته وذلك واجب عليه إذ تأدية ما فرض عليه من العبادات والطاعات لا يتم الاّ به «ولأجل الحفاظ على الصحة لا يُهرب من الإنفاق»
كان رحمه الله تعالى على علم بأن الوقت كالسّيف إن لم تقطعه قطعك، لذا كان شديد الحرص على الاستفادة من الوقت إذ لا يسمح بفواته هباءً بحيث يحرص الإغتنام منه بعمل خير يفيد مسلماً أو يفيد من حوله ويفيده أو مطالعة كتاب أو إستنباط أمر من مصنف عالم وينجز عمله في وقته المحدد له ولم يكن من دأبه تأجيل عمل اليوم الى الغد وكذلك يراعي المواعيد مراعاةً تامّةً والوفاء بالوعود كان من عادته. ويتمنى للآخرين كذلك الوفاء بالوعود ويوصي من حوله بذلك فعلى سبيل المثال لا الحصر أن خروجه من بيته وذهابه الى صيدليته حيث مقر عمله كان بنفس الساعة والدقيقة لا يؤخّر ولا يقدّم ولحقبة من الزمن.
وعندما يرى الناس وهم جلوس في المقاهي كان يأسف أشدّ الاسف ويقول (لو كانت إقتناءأوقات هؤلاء الناس بالدراهم والدينار لأشتريت منهم أوقاتهم وكنت اعمل بها) فالإبتعاد عن المطالعة والقراءة والكتابة او العمل أمر تتغاير مع فطرة الإنسان ولا تنسجم معه وكان يجيب السائلين بـ«كيف توفقت ووصلت الى ما أنت عليه؟» بقوله لم اؤجّل عمل اليوم الى الغد عملا بمنطوق الحديث النبوى الشريف (هلك المسوفون) أي المماطلون العمل مرةً بعد اُخرى ويوماً بعد يومٍ والمؤجلون الوفاء القائلون مرةً بعد مرةٍ «سوف اعمل» فلذا عملت الواجب عمله اليوم في اليوم وحاولت إنجاز جميع أعمالي بنفسي فقمت بتعقيب نتائج الامور والأعمال المناطة للغير بالضرورة ولا اهملها ولإسداء الخدمات الى الإسلام والمسلمين بنجاح وصلاح فينبغي مجارات المخاطبين ومداراتهم وتكليمهم قدر عقولهم وفهمهم، وبشاشة الوجه وعذب الكلام مع الجميع واجب.
لم يكن في أي امر من الامور متعصباً ومستبداً برأيه بل كان يتّبع الطريق الوسط عملاً بقوله عليه وعلى آله واصحابه افضل الصلاة والسلام (خير الامور اوسطها) إذ لم يكن رطباً فينعصر ولا يابساً فينكسر وكان يصرف جل جهده كي يكون خير معلمٍ وخير ولدٍ وخير أخٍ وخير زوجٍ وخير أبٍ وخير جدٍ وخير جارٍ وخير عالمٍ وكان... |